انهدامات

( 1 )
سفر التهويم

هي الخطيئة تنسال لتبني أدراجها اللولبية
تحفظ للمشهد انهدامه
عندما تنحني خاسرةً أمومتها
فانيةً
تُكَور الظلام على حاله

وعندما هكذا يغادر الراحلون أسفارهم ديدنهم تهاويم الغيب ،الكون باق على أنقاضه ، الحياة ذاتها والخالد وحده هو الموت والموت بدأ ينقرض متنفساً حطامه لا سهواً ولا حرصاً لكن انفطاراً من عارٍ يَلفه ، ألا كفى .. ما الذي تفعله تلك الفضيلة العجوز بهذه اللحظة بعد أن نسيها ملاك الموت ؟؟ ربما هي الآن تتثائب في نومها !!! بعد أن أعيتها الخطيئة الأولى يوم قتل الأخ أخيه لأجل امرأة نسيت في لجّة فورانها من القتيل ومن القاتل ، وحين اشتُبِه بغرابها الفصيح أضحى فناناً تشكيلياً ساعة نحت بمنقاره القبر فاحتضنَتهُ ليكتمل الندَمَانِ كلاهما في الآخر وكل شيء كان قبلها يشي بهبوطٍ / أوراق على جمر مطفأ /ثرثرات تفاح / شهود عدميون / والخطيئة الآن معجبة ببقائها / بسلامها (الفاضح كزجاج) متعتها اكتشاف ذاتها / وذاتها تلك الرصانة المجدولة بين الأرض وأصباغ الفراغ الطالعة من تمتمات الغيب كورقة حائرة تنشد ترانيم العدم تلمسنا … هكذا !! ثم تعود إلينا /وفي دوامة رجوعها يستهويها غير ما يَسَاقط فتنقلب مضيئة / ذهولاً خالداً تبقع على قلبٍ من حجرٍ ويقين / ثم ترتدّ فتشتعل موحشةً / مصدوعة الرأس غبية / تفرك أصابعها في الظلام / معتوهةً / ميتةً من صمتٍ ويباس .
و الفضيلة الحمقاء ها هي مرة أخرى /حافية في عزلتها / لها عذاب / ولها ارتباك تنزلق عمياء / كأنها فجوةً من عينٍ مفقوءة / ثمالة من يقظة ونوم / مفلوجة تتكوم على خيباتها بنهايتها المفضضة مفتوحة التفاصيل لا تبدأ ولا تنتهي ، واطئةً تجرفها أخبية من ريش وغمام ، باردة تغتابنا مثل رغوة تبالغ في الحصاد / كأنها قبور كشفت عن أمواتها تصرخ في السر على الألم فتبكي بلا دمع / وبلا أجساد .
كلُ هَذه الانهدامات عراك الموت مع القيد "تُشَد به الحَدَقَة إلى رسغِ وليدٍ نائمٍ ومنه إلى جِيدِ الحقيقةِ النائمة" والأمر كله تدابير ملائكة منذ الأزل / ملائكة تتشدق غريقةً تُقاسِمنا الدهشة والبرد / ملائكة تذبل في خطاها كما الزهرة ، تصيح .. أيها الهرج / أيها الركاااااااااااااام … توقف … أيها الـ…. أيها الـ … والركام لا يسمع ، والخراب لا يسمع … وأنا لا أسمع … فقط هذا الانهدام يشبهني وهو لا يتوقف ، تمهل أرجوك أيهـا الـ …( لا يتمهل ) و يمضي فتنكث بطبائعها الفصول ونصبح كلنا أشباه تتكدس . تتكدس . تتكدس . و هنــاك أبصرها يشد بعضها أزر بعض … آثام قرب السور /آثام خلف السور /آثام تحت السور /ملائكة في النعيم يرفلون وآخرون على الشرفات يتوالدون يتشابهون يتناسخون كثيرون لا يعدون ولا يحصون يجيئون ويروحون فأصيح أنا أيضاً من رعبي … ياااااااا خرااااااب توقف . توقف/ ظلمة أخرى فضيحة أخرى تراوغ أبدياتها معصوبة العينين تتلمس الستـارة الفاصلة بين نعيم الله ومغاليق الهائمين الهاوينَ بأكفٍ يابسة ( على جسد يَقبَل وجسد لا يَقبَل ) لكنه في النهاية كأنه نادم على ترفٍ فيعود بشغف ويَقبَل / أيها المنزوون على شلل أرواحكم أيها الـ رؤوسكم ساقطة على هشاشتها … ينابيعكم الآن تحمل منسياتها مدغومةٌ على أعطابها … ولئن فتحتم هذه الغواية على مصراعيها دون ارتجاجات تؤكد للميت موته ، وللحقيقة المحمولة على نعش بلاغتها أنها ليست فجيعة / بل هي عشبة للخلاص / وهي عشبة للندم / فكأنكم عصافير مكسورة يتبعها المشيعون يؤنسون وحدتها وكلما دقت ساعة كينونتها أبصروها رائحة غادية لتبدأ ميتةً من جديد تحتطب سحابها لا تمل ولا تتعب

( 2 )

سفر التكويم

سريون جاهلون بعدمهم يتقاسمون خراب نسيجهم يسطرون بأقلامهم غوايات أخرى يتكئ الموت على أكواعهم وهم للموت مهنة تبيح الغبار على ألسنتهم العالقة في مَكَباتهِا كمن يعزف على الناي فيكسره ما يكسره من صوت و حنين وينهض في روحك ذلك الدوار الأشد حين تنفث بخيط تفك منه عقدة فتدغدغك آلام شبه حمقى كلها تهوي تجاهك تهرب أنت من المهزلة تتنصل بإعلان تضامني فتحاصرك سيرة المشيعين الآسفين على ندمهم وتتساءل أنت بلا مناسبة عن سبب العلاقة بين الأجنة والبذور فتسطع بين يديك عشرات الإرتيابات تختار من بينها مجرد هامشٌ أو قُبلةٌ على رماد

هامش

إلهي أي جنة تلك التي وعدتنا ونحن بشر !!!

هناك ما يطفئ القلب

غزة/ منال خميس

أنت هنا تعيش في بقعة جغرافية صغيرة ، على شريط ساحلي ضيق لا يتعدى طوله ال36 كم2 ، تعيش على مساحة يمكنك أن تجوبها طولا وعرضا وشمالا وجنوبا في ساعة واحدة ويمكنك اختصار المسافة الي النصف اذا ما أصبت ببعض الجنون .
أنت تعيش هنا على أرض اسمها غزة من بدء الخليقة وهي تتكبد حماقة التاريخ
ثمة من يُقتل هنا ، ثمة من يموت بظلم كبير ، هنا ألم يجتاحنا في كل مرة نسمع فيها صوت الرصاص ، فنتكهن من ضحية اللحظة ، نقول اللحظة وليس اليوم لان عدد الضحايا يتكاثر بعدد اللحظات .
ثمة رجال ، ثمة نساء ، ثمة أطفال ، أناس عبروا .. كانوا هنا ، عاشوا حياتهم البسيطة ، فتتوا هشاشة المحتل والآن هم في حرب يترصدون فيها أنفسهم ، أصبح الصوت الذي يسمع هو الصوت الذي يتكلم هو الصوت الذي يحكم هو الصوت الذي يضرب و ينفذ ولا صوت ينتهي لأي شيء .
ثمة موت هنا .. ثمة ما يقتل الروح ويطفئ القلب ، ثمة ما ندفع ضريبته اليوم وكل يوم والمدينة التي بنيناها غارقة بوحلنا ، نهدمها بمعاولنا لا لتولد أبهى وأجمل ولكن لنعيش خاسرين في دائرة خرساء تحت سوط الصمت لساعات طويلة نحفر الأضرحة ونعدد القبور.
هناك من يفقأ عين مدينتنا لتموت .
عين حارستنا التي كانت مثبتة على الزمن كي لا يغدرنا فلا تنام ،
مدينتنا شبعت طهراً ، و تتبع الآن ضلالاتها ،
مدينتنا بيدها الآن تصوب رصاصاتها الى صدور ابنائها ،
في مدينتنا يتحدث الموتى عن موتهم ،
_ آآه يا أخي يا من رميت عن سطح بيتي بغضبك على المحتل يا من لعبت معي في الحقول الوسيعة، يا من كنت ملاذي ، يا من كنت لي كعظمة اليد ... أنا الآن بالقبر قربك .. ضللوني ولا أعرف ان كنت تغفر لي _ هل تسمعني ؟
_ هذا في البدء كان يمكن أن اغفر لك حين كنا نبتكر الأغاني وتظللنا الأمنيات
_ آآه يا صديقي اصمت أنت الآن مثليٍ متعب وميت لا تجهد نفسك بالكلام فعلى رصاصتك التي أصابتني ما يتحدث عنك ، مكتوب عليها " لا تعد أبدا فأنا باسمهم كرهتك وباسمهم أحاربك وباسمهم أقتلك"
_وقتلتني وقتلتك يا شبيهي لأنهم يريدون !!
_ اسمع يا صديقي هناك بالخارج من يحاول أن يحدد هوية القبر !
_ هل تسمع أصواتهم ؟
- قبورنا أكبر مساحة من خارجهم
- أكبر أيضا من ذاكرتهم
- يتصنعون المحبة
- ذاكرتهم مسورة بآيات الحرب
- وبقبض الريح
- هوامشهم جد ضيقة
- لم تكن حربنا
- كانت حروبهم الضريرة
- يتبجحون بأعدادنا وبأرقامنا
- مع كل يوم يتهافت فيه عظمي أدرك مدى جهلي
- كانت خدعة ، حددوا لنا أمنياتهم فمال سهمنا
- وعدونا بالجنة
- أشتاق إلى زوجتي والى فضاء حديقتنا
- أحن إلى أطفالي أشعر بهم راكضين حول القبر،أحنّ الى عيونهم المضيئة
- ما أشد ندمي يا أخي .
كان الموتى يتكلمون ومدينتنا التي باتت تحصد الريح يهبط عليها الوقت معتما ، تعانق ببلادة كآبات مساءاتها ، ينام اطفالها خائفين ، لم يعد الكحل يعبئ مكاحل بناتها، الجميع فيها عابرين يكنسهم غبار ضئيل ينامون مهدودين بلا أمل فلا فجر بانتظارهم ولا نهار جديد..لا شيء هناك سوى صباحات الدم والخراب أينما ولّيت وجهك.